الحمد لله الذي ليس كمثله شيء في الأرض و لا في السماء، القادر الذي جعل المبتدأ في الإنتهاء، و المنتهى في الإبتداء، كما جعل الياء في الألف، والألف في الياء. و صلى الله على و سلم على خير المحدثين سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين، أما بعد :
إعلم أيها المسترشد في بيداء الإرادة و المستسعد برابطة العبادة و المستشهد لحظة التوحيد في باب الشهادة و المستنجد في إدراك سر الإعادة، وفقك الله توفيق المريدين و وصاك وصية العابدين و آتاك تحقيق الشاهدين أن في الرزية مزية و مع العسر يسرا فلا تكثرت لما أصابك من الرزايا في مالك ومن يعز عليك من أهلك مما يسمى في العرف رزية و مصابا.
قل "إنا لله و إنا إليه راجعون" (١) عند نزولها بك و قل فيها كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : "ما أصابتني من مصيبة إلا رأيت أن الله أنعم علي فيها ثلاث نعم، النعمة الواحدة حيث لم تكن المصيبة في ديني، و النعمة الثانية حيث لم يكن ما هو أكثر منها، فدفع الله بها ما هو أعظم منها، و النعمة الثالثة ما جعل الله لي فيها من الأجر بالكفارة لما كنا نتوقاه من سيئات أعمالنا".
و اعلم أن المؤمن في الدنيا كثير الرزايا، لأن الله يحب أن يطهره حتى ينقلب إليه طاهرا مطهرا من دنس المخالفات التي كتب الله علية في الدنيا أن يقام فيها، فلا يزال المؤمن مرزا في عموم أحواله، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذلك حيث قال و هو الذي لا ينطق عن الهوى : "مثل المؤمن كمثل الخامة (٢) من الزرع، تصرعها الريح مرة، و تعدلها أخرى حتى تهيج".
(١) سورة البقرة الآية ١٥٦.
(٢) الخامة: هي الزرع الذي على ساق واحد، فهو ضعيف لم يشتد.
المصدر: الوصايا لمحي الدين ابن العربي.